رائــد الانــدمــاج الأوروبــي
لا يوجد بلدٌ في أوروبا لديه جيران أكثر من ألمانيا. تشترك ألمانيا في حدودها مع تسع دول، ثمانٍ منها تنتمي إلى الاتحاد الأوروبي (EG). ويشكِّل التكاملُ الأوروبيُّ أساس السلام والأمن والازدهار بالنسبة لألمانيا. ورغم مغادرة بريطانيا العظمى للاتحاد الأوروبي في نهاية يناير/كانون الثاني 2020 ، تظل مواصلة تطوير وتعزيز قوة الاتحاد، خاصةً في ظل الظروف المُعقَّدة والمتأزمة مهمةً مركزية للسياسة الخارجية الألمانية.
بدأ المشروعُ التاريخيُّ للاتحاد الأوروبيّ في أوائل الخمسينيات من القرن الماضي، ويضمُ اليوم حوالي 450 مليونًا من مواطني الاتحاد الأوروبيّ في 27 دولةٍ عضو. ولقد رسّخت سياسةُ ألمانيا الأوروبية نفسَها قوةً أساسية دافعةً في جميع مراحل نمو الوحدة الأوروبية. وتعتمد سياسة ألمانيا الأوروبية على إدراك وتقدير الأهمية التاريخية للاتحاد الأوروبي كمشروع لنشر السلام. وقد فاز هذا الاتحاد في العام 2012 جائزة نوبل للسلام.
تنتمي ألمانيا إلى جانب فرنسا وإيطاليا وبلجيكا وهولندا ولوكسمبورغ إلى الدول الست المؤسسة للاتحاد الأوروبي، وهي التي وقعت في 25 آذار/مارس 1957 على معاهدات روما. يعتبر هذا التوقيع بمثابة لحظة ميلاد الاتحاد الأوروبي. وقد تم حينها تأسيس المجموعة الاقتصادية الأوروبية (EEC) والمجموعة الأوروبية الذرية (Euratom).
سوقٌ أوروبيةٌ مشتركة
في سياق الاندماج والتكامل الأوروبي تم تأسيس السوقُ المشتركة الأكبر في العالم، لتتميَّز ملامحُها بالحريات الأساسية الأربع المنصوص عليها في اتفاقية روما: حرية حركة البضائع بين دول الاتحاد الأوروبي، وحرية تنقُّل الأشخاص، وحرية تقديم الخدمات في منطقة الاتحاد الأوروبي، وكذلك حرية حركة رؤوس الأموال. يجعل حجمُ السوق الأوروبية المشتركة وأداؤها الاقتصاديّ الاتحادَ الأوروبيّ فاعلاً رئيسيًا في الاقتصاد العالمي. وتحظى السوقُ الأوروبيةُ البينية بأهميةٍ مركزية بالنسبة للاقتصاد الألماني، لأن الدول الأوروبية من بين أهم الشركاء التجاريين لألمانيا.
تتحمَّل ألمانيا باعتبارها أقوى اقتصاد قومي في الاتحاد الأوروبي، مسؤوليةً خاصة ليس أقلها في مراحل التغيُّرات الاقتصادية والاجتماعية. وتجلَّى ذلك بالفعل في خلال الأزمة المالية وأزمة الديون. حينها أنشأت حينها دولُ منطقة اليورو صندوقَ إنقاذ، أو ما عُرفت باسم آلية الاستقرار المالي الأوروبي (ESM). كما شهدت جائحةُ كورونا تكاتفَ دول الاتحاد الأوروبي معًا لتتفق على حزمةٍ لإعادة الإعمار بالملياراتٍ من اليورو. واستندت خطة الجيل القادم للاتحاد الأوروبي "NextGenerationEU" على مبادرةٍ ألمانية-فرنسية مشتركة.
شريكٌ في توسعات الاتحاد الأوروبيّ
تدعم ألمانيا دخول واندماج أعضاء جدد في الاتحاد الأوروبي. وقد توسع الاتحاد بالفعل خلال العقود الماضية عدة مرات. وقد كان للتوسع نحو الشرق في العام 2004 أهمية خاصة أيضا بالنسبة لألمانيا، حيث رسخ ذلك التوسع نهاية حقبة الانقسام الأوروبي. حينها انضمت للاتحاد عشر دول من شرق ووسط أوروبا، وكان ذلك هو التوسع الأكبر في تاريخ الاتحاد. وقد كان انسحاب بريطانيا نهاية 2020 من الاتحاد سابقة أولى، لا مثيل لها. رغم ذلك تسعى ألمانيا إلى استمرار العلاقات الوثيقة مع بريطانيا وتتحمل مسؤولية خاصة في صياغة وتعزيز علاقة بريطانيا مع الاتحاد الأوروبي في المستقبل.
تسعى الحكومة الألمانية الاتحادية إلى انضمام أعضاء جدد للاتحاد الأوروبي. لهذا تدعم ألمانيا قبول دول غرب البلقان في الاتحاد. في حزيران/يونيو 2024 بدأ الاتحاد الأوروبي مفاوضات الانضمام مع أوكرانيا التي تتعرض لعدوان روسي، وكذلك مع جارتها مولدافيا. وتعتبر ألمانيا من أشد المؤيدين لانضمام الدولتين إلى الاتحاد الأوروبي.
التزامٌ بعملٍ أوروبيٍّ مشترك
تعمل ألمانيا بشكلٍ وثيق مع شركائها الأوروبيين في جميع المجالات السياسية الرئيسية. ويعد العثورُ على حلولٍ مشتركة لأزمة المناخ إحدى المهام الرئيسية للاتحاد الأوروبيّ. يُذكر أن المفوضية الأوروبية قدَّمت في نهاية العام 2019 "الصفقة الخضراء الأوروبية". ويتجلَّى الهدفُ منها في أن تكون أوروبا هي القارة الأولى التي تصبح محايدةً مناخيًا بحلول العام 2050 . وتريد ألمانيا أن تدفع بنشاط تنفيذَ هذا الهدف وتحقيق الحياد المناخي بنفسها بحلول العام 2045.
تُسخِّر الحكومةُ الاتحادية جهودها كذلك لمواصلة تطوير سياسة الأمن والدفاع المشتركة للاتحاد الأوروبي (CSDP). وتتراوح مجموعةُ المهام في أثناء ذلك من منع وقوع الأزمات ومرورًا بإدارة النزاعات ووصولاً إلى تحقيق الاستقرار بعد نزاعٍ ما. لقد أطلقت ألمانيا خلال رئاستها لمجلس الاتحاد الأوروبي في العام 2020 ما تُعرف بالبوصلة الاستراتيجية، والتي تهدف إلى رسم ملامح اتجاهٍ واضح للسياسة المشتركة. وفي ظل الرئاسة الألمانية لمجلس الاتحاد الأوروبي في 2020 تم تأسيس منشأة السلام الأوروبي التي من بين أهدافها توفير التمويل لسياسة الأمن والدفاع المشتركة. منذ شباط/فبراير 2022 تلعب هذه المنشأة دورا مهما في دعم أوكرانيا في الدفاع عن نفسها في مواجهة العدوان الروسي الغاشم.